أشواق مختزنة للسيد شعبان جادو

أختزن العواطف مثلما يضن تاجر بسلعه؛يغلي بها وقت الحاجة،لن أسردها مرة واحدة،ستكون الحياة معه أجمل وأبهى.

المدن مثل النخيل لا تنحنى،تأبى السقوط تقف شامخة ،تلك خلاصة الحكمة التى جاءته متأخرة،بعد نيف وثلاثين سنة يعود متكئا على جراحه التى أوشكت أن تشفى،لم ينتظر حتى تأتيه رسالتها التى يعلم أنها تأخرت كثيرا،ولأن الترحال قدر كتب عليه أن يمضي فيه حتى نهاية الشوط، ألف النوم بعين ذئب،الكلمات عجزت أن تجد سبيلا إليه ،مشاعرها ناحيته ربما أصابها نوع من التكلس،هيهات أن يعوضه عنها رسائل مبتسرة مثل ظل خيال المقاتة،كم بكى حرقة ؛كل الكلمات تحجرت،رغم البعد ما يزال يحن إلى مدينته،الشوارع والنواصي لا تغادر ذاكرته،هنا أحبها،انتظرها كل عصر مثل حمامة وادعة كانت تضع شارتها البيضاء على رأسها،وتمسك بكتبها ثروة عمرها الغض بين يديها،الجمال ازدهى بوجهها الغض البريء،تزوجها،ولأنهم يكرهون الحب،ضاقت عليه المدينة ،ارتحل في سدفة الليل،يعانق الشوق إليها،تموج حياته بتلك المنافي،مدن ملح ما ارتوى من نفطها،غريب أو لاجيء لا يضيره أي وصف منهما، كل ما يقلقه أن الحنين ازداد،وبات قلبه في الحشا يجب!تعلق بذهنه الخطوات التي مشى معها كظلها،كم كان الهوى جذابا!
لكن الألم ينتابه هذه الأيام،هل يغامر ويذهب وليكن ما يكون؟
يحدث نفسه كل آونة :عمري ضاع سدى،لم أجد في سنوات المنفى الدفء الذى كنت أحسه حين يحلو اللقاء لم تكن لحظة عابرة،بل عمرا يمتد لكن الأنثى التى بداخلي توشك أن تذبل ورودها،حتى الأمومة ومشاعرها لم تعرف طريقها إلي.
كيف السبيل إليها؟
السفر مغامرة،ربما لا ألتقيها إلا من وراء الغيب،يا لغربة القلب،وأنين العجز!
-الأيام مرت ولم نلتقي،سأذهب إليه،يستبد بي الشوق،أكاد يقتلني الهجر،سألزمه لن أتركه ،وما في دنياي غير تلك الاشواق.
الطائرة مثل حمامة تطاردها الغربان لكنها تحمل غصن الزيتون،أبرقت إليه أنها قادمة،كيف له أن يصلح تلك السنوات التى أصابها الخلل؟
-سأسر إليه بكل الكلمات التى تدثرت بها ليالي الشتاء،أنا أختزن العواطف مثلما يضن تاجر بسلعه؛يغلي بها وقت الحاجة،لن أسردها مرة واحدة،ستكون الحياة معه أجمل وأبهى.
حين انتهبته تلك الظنون لم ينم إلا لحظات داعب فيها الأمل أن يلتقيا.
يومها أمطرت السماء ،ازدهت بذلك الثوب الأرجواني،داعب النسيم خصلات شعرها،سعدت وهنأ اللقاء،العيون أرسلت تلك الرسالة التى تأخرت تحت سوط الغربة،ما أجمل أن يجد المرء أليفه!

Related posts

Leave a Comment